عدد سكان جورجيا
تقع جورجيا في منطقة القوقاز، وتعد من الدول التي تحظى بتاريخ طويل وثقافة غنية وموقع جغرافي استراتيجي يربط بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية. منذ إعلان استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، شهدت جورجيا تحولات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية كبيرة أثرت على عدد سكانها وتوزيعهم. يعتبر فهم البنية السكانية في جورجيا ضرورة لفهم التحديات والفرص التي تواجه هذا البلد في مجالات التنمية، والسياسات الاجتماعية، والتخطيط الحضري والاقتصادي.
التعداد السكاني في جورجيا
بحسب تقديرات عام 2024، يبلغ عدد سكان جورجيا حوالي 3.7 مليون نسمة، ويُلاحظ أن هذا الرقم يشير إلى انخفاض واضح مقارنةً بما كان عليه عدد السكان في التسعينيات. فقد تجاوز عدد السكان 5.4 مليون نسمة في عام 1991، إلا أن عوامل متعددة، من ضمنها الهجرة والنزاعات الداخلية وتغير معدلات المواليد، ساهمت في تراجع العدد.
جدول: تطور عدد السكان في جورجيا من 1990 إلى 2024
| السنة | عدد السكان (بالمليون) |
|---|---|
| 1990 | 5.4 |
| 2000 | 4.5 |
| 2010 | 4.4 |
| 2020 | 3.7 |
| 2024 (تقديري) | 3.7 |
العوامل المؤثرة في التغير السكاني
1. الهجرة والنزوح
شهدت جورجيا خلال العقود الماضية معدلات عالية من الهجرة الخارجية، سواء لأسباب اقتصادية أو سياسية. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، سافر مئات الآلاف من الجورجيين إلى روسيا وأوروبا الغربية والولايات المتحدة بحثًا عن فرص عمل أفضل أو هروبًا من النزاعات الداخلية، مثل تلك التي اندلعت في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.
كما أدى النزاع المسلح في عام 2008 بين روسيا وجورجيا حول أوسيتيا الجنوبية إلى موجات نزوح داخلية واسعة، وتسبب في فقدان سيطرة الدولة الجورجية على أجزاء من أراضيها، مما أثر بشكل مباشر على الإحصاءات السكانية الرسمية.
2. الخصوبة ومعدلات المواليد
تراجعت معدلات الخصوبة في جورجيا بشكل ملحوظ منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث أصبحت أقل من المستوى اللازم لتعويض الوفيات (معدل الإحلال الطبيعي للسكان). تشير بيانات البنك الدولي إلى أن معدل الخصوبة في جورجيا يبلغ حوالي 2.0 طفل لكل امرأة في عام 2023، وهو معدل قريب من معدل الاستبدال، لكنه لا يكفي لتعويض النقص الناتج عن الهجرة والوفيات المرتفعة في بعض الفئات العمرية.
3. الوفيات والعوامل الصحية
الصحة العامة في جورجيا لا تزال تواجه تحديات عدة، من بينها انتشار الأمراض المزمنة، وارتفاع معدلات الوفيات بين الذكور في سن العمل، وضعف نظام الرعاية الصحية في بعض المناطق الريفية. وتساهم هذه العوامل مجتمعة في تقليص متوسط العمر المتوقع، والذي يبلغ حوالي 73 عامًا حسب بيانات الأمم المتحدة، مع تفاوت ملحوظ بين الذكور والإناث.
التوزيع الجغرافي للسكان
تتسم جورجيا بتفاوت كبير في توزيع السكان بين العاصمة تبليسي وباقي المدن والأقاليم. إذ يعيش ما يزيد عن مليون نسمة في تبليسي، ما يعادل نحو ثلث سكان البلاد، وهو ما يضع ضغوطًا متزايدة على البنية التحتية في العاصمة.
المدن الكبرى الأخرى:
-
كوتايسي: ثاني أكبر مدن جورجيا، وتعتبر مركزًا صناعيًا مهمًا.
-
باتومي: مدينة ساحلية تقع على البحر الأسود، وهي وجهة سياحية رئيسية وتتمتع بنمو اقتصادي متسارع.
-
روستافي: مدينة صناعية تقع في الجنوب الشرقي من البلاد.
في المقابل، تعاني العديد من القرى والمناطق الجبلية في البلاد من انخفاض عدد السكان وهجرة مستمرة نحو المدن الكبرى أو إلى الخارج، مما يؤدي إلى شيخوخة سكانية وانخفاض في الخدمات العامة.
التركيبة العرقية واللغوية
يُعد سكان جورجيا من الشعوب المتنوعة إثنيًا، رغم أن الغالبية العظمى (أكثر من 86%) هم من العرق الجورجي. ومن بين المجموعات العرقية الأخرى:
-
الأرمن: يتركزون في جنوب جورجيا، خصوصًا في منطقة سامتسخي-جافاخيتي.
-
الأذريون: يتواجدون بكثافة في منطقة كفيمو كارتلي شرق البلاد.
-
الروس: رغم تراجع عددهم بعد الاستقلال، لا يزال هناك تواجد محدود في بعض المناطق.
-
الأبخاز والأوسيتيون: يعيش معظمهم في مناطق متنازع عليها ويخضعون لإدارات مختلفة.
تُعد اللغة الجورجية اللغة الرسمية والوحيدة للدولة، وتستخدم في التعليم والإدارة العامة، إلا أن اللغات الأرمنية والأذرية والروسية ما زالت مستخدمة على نطاق محلي في بعض المناطق ذات الكثافة السكانية من الأقليات.
الهيكل العمري للسكان
تشير الإحصائيات إلى أن جورجيا تمر بمرحلة شيخوخة سكانية تدريجية، حيث ترتفع نسبة كبار السن مقابل تراجع نسبة الفئات العمرية الشابة. ويُظهر التوزيع العمري ما يلي:
-
الفئة من 0-14 سنة: 19%
-
الفئة من 15-64 سنة: 64%
-
الفئة من 65 سنة فأكثر: 17%
هذا الاتجاه يفرض تحديات كبيرة على الاقتصاد الجورجي، وخاصة على نظام الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، وسوق العمل، حيث يتزايد العبء على الأجيال الشابة لدعم الفئات الأكبر عمرًا.
التحديات الديموغرافية المستقبلية
من المتوقع أن تواجه جورجيا عدة تحديات سكانية في المستقبل القريب والمتوسط، أهمها:
-
الاستمرار في انخفاض عدد السكان إذا لم تُعالج قضايا الهجرة والخصوبة.
-
شيخوخة السكان، مما يؤدي إلى ارتفاع الحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية والمعاشات.
-
الهجرة الشبابية المكثفة نحو الدول الأوروبية، مما يؤدي إلى فقدان الكفاءات البشرية.
-
عدم التوازن الجغرافي في توزيع السكان، حيث تتركز الكثافة السكانية في العاصمة، بينما تُهجر القرى والمناطق النائية.
السياسات الحكومية المرتبطة بالسكان
تعكف الحكومة الجورجية على تنفيذ مجموعة من السياسات للحد من التدهور الديموغرافي، من بينها:
-
تشجيع الإنجاب من خلال تقديم حوافز مالية للعائلات التي تنجب أكثر من طفلين.
-
تسهيل العودة الطوعية للمغتربين الجورجيين.
-
تطوير البنية التحتية في المناطق الريفية لتقليل النزوح نحو المدن.
-
تعزيز التعليم والرعاية الصحية للحد من الهجرة الداخلية والخارجية.
الخاتمة (دون صيغة تفاعلية)
عدد سكان جورجيا يعكس مزيجًا من التحديات التاريخية والسياسية والاجتماعية والديموغرافية، ويشكّل حجر أساس لفهم بنية المجتمع الجورجي وتحليل مستقبله. ورغم تراجع عدد السكان خلال العقود الماضية، تبقى جورجيا مثالًا على قدرة الدول الصغيرة في المنطقة على إدارة التنوع السكاني وتحويل التحديات إلى فرص. يعتمد مستقبل البلاد إلى حد كبير على مدى نجاحها في إصلاح السياسات السكانية، وتعزيز التنمية الإقليمية، وتحقيق التوازن بين النمو السكاني والاستدامة الاقتصادية والاجتماعية.
المصادر:
-
بيانات الأمم المتحدة للسكان (UN World Population Prospects 2024)
-
المعهد الوطني للإحصاء في جورجيا (Geostat.ge)
